- د. ماجد الماضي
- 0 Comments
أهلاً بكم في عيادتي .. سأتناول اليوم موضوع القرحة من حيث أسبابها، وأعراضها، وكيفية تشخيصها، بالإضافة لطرق علاجها والوقاية منها.
تؤدي المعدة جزءًا كبيرًا من عملية الهضم في الجسم؛ إذ تحتوي على العصارة الهضمية الحمضية التي تذيب الطعام وتسهّل امتصاصه لاحقًا في الأمعاء. نظرًا للطبيعة التي تعمل بها كل من المعدة والأمعاء، فإن البطانة الداخلية لها تكون مغلفة بطبقة سميكة من المخاط تحميها من تأثير العصارة الحمضية.
في حال اختلال هذه الطبقة المخاطية الواقية أو زيادة الإفرازات الحمضية عن المعدل الطبيعي، فإن نسيج المعدة والأمعاء يصبح مكشوفًا في مناطق معينة ومعرضًا للتلف والتقرّح المؤلم بسبب تلامسه المباشر مع أحماض المعدة، وينتج عن هذه الحالة (قرحة المعدة) و (قرحة المريء) و (قرحة الإثني عشر) تبعًا للمنطقة المتضررة.
أعراض قرحة المعدة
قد لا تكون هناك أي أعراض مصاحبة للقرح الصغيرة وتسمى حينها بالقرحة الصامتة، وأحيانًا تكون هناك أعراض مزعجة تدل على الإصابة بالقرحة مثل:
- حرقة المعدة: توصف بأنها شعور حارق بين منتصف الصدر والسرة
- ألم في منطقة المعدة
- الغثيان والتقيؤ
- الشعور بالانتفاخ وكثرة التجشؤ
- فقدان الشهية
في الحالات الشديدة، يمكن أن تشمل الأعراض كل من:
- براز داكن أو أسود (بسبب النزيف)
- التقيؤ الدموي (بسبب القرحة النازفة)
- فقدان الوزن
- ألم شديد في البطن أو المعدة
أسباب قرحة المعدة
كما ذكرنا سابقًا، جدار المعدة يمتلك وسائل دفاعية تحميه من التعرض المستمر لحمض المعدة، ولكن عند انهيار هذه الدفاعات أو ضعفها فإنها تصبح عرضة للتقرح، وبالتالي بعض العوامل التي تؤثر على صحة الطبقة المخاطية في المعدة هي المسؤولة عادةً عن الإصابة بالقرحة الهضمية، وتشمل:
- الإصابة بالبكتيريا الحلزونية (جرثومة المعدة):
تعيش البكتيريا الحلزونية داخل المعدة عند نسبة كبيرة من البشر و تنتقل هذه البكتيريا من شخص إلى آخر عبر اللعاب أو عبر الطعام أو الماء الملوّث وتؤدي لإذابة مناطق من المخاط الواقي والمغلّف للمعدة وبالتالي يصبح نسيج المعدة معرضًا للإصابة بالقرحة، وهي من أكثر أسباب الإصابة شيوعًا ، ولكنها عادةً لا تسبب أي أمراض.
- بعض الأدوية:
إستخدام بعض المسكنات بانتظام مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (بروفين/نابروكسين/فولتارين…)، حيث تسبب هذه الفئة من الأدوية التهاب بطانة المعدة والأمعاء الدقيقة خاصة عندما يتناولها الشخص بانتظام لفترة طولة (أيام)، كما تزيد احتمالية الإصابة بالقرحة عندما تكون مضادات الالتهاب مصحوبة بأنواع أخرى من الأدوية مثل مميعات الدم (أسبرين) وأدوية علاج هشاشة العظام مثل (أليندرونات / ريسيدرونات)
عوامل الخطر
بعض المؤثرات قد لا تسبب القرحة بحد ذاتها، لكن وجودها يزيد من احتمالية الإصابة ويجعل الأعراض أكثر شدّة مثل:
- التدخين
- الإصابة بأورام في خلايا المعدة
- أمراض الكلى والكبد والرئتين
- العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان
العلاقة بين القرحة والقهوة والأطعمة الحارة
يشيع هذا المفهوم بين الناس بأن سبب قرحة المعدة هو شرب القهوة وتناول الأطعمة المتبّلة، ولكن لا يوجد دليل علمي حتى الآن على صحة هذه النظرية، ونسمح للمصابين بقرحة المعدة بتناول الأطعمة التي يحبونها طالما أنها لا تزيد من سوء الأعراض عندهم.
التشخيص
نشخّص قرحة المعدة بأخذ السيرة المرضية المفصّلة لمعرفة الأسباب والعوامل المؤدية للمرض، ثم نطلب عددًا من الاختبارات التي تساعدنا في تأكيد التشخيص مثل:
- فحص البكتيريا الحلزونية
تتوفر العديد من الطرق الفعالة للكشف عن البكتيريا الحلزونية ولكم اهمها هو فحص اليوريا التنفسي (إختبار النفخ) وهي طريقة سريعة ودقيقة لفحص وجود البكتيريا، حيث يتم إعطاء المريض مشروب يحتوي على مادة كيميائية قابلة للتكسّر بواسطة البكتيريا الحلزونية؛ ثم يتم تحليل نفسه. فإذا كانت النتيجة إيجابية فهذا يعني وجود البكتيريا ، والعلاج بالمضادات الحيوية هو المفتاح لتخفيف أعراض القرحة والتخلص منها
- تنظير المعدة
في بعض الحالات، خاصّة عند وجود دليل على نزيف او أن تكون القرحة مزمنة واعراضها شديدة فقد نقوم بإجراء التنظير لرؤية التقرّحات مباشرةً عبر إدخال أنبوب رفيع ومرن مربوط بكاميرا إلى المعدة وصولًا للأثني عشر، و ذلك بمساعدة إبرة مهدئة. أثناء التنظير، قد نأخذ خزعة من المعدة أو الأمعاء لدراستها في المختبر والوقوف على أسباب الإصابة بالقرحة. في بعض حالات النزيف، يمكن كي القرحة بالمنظار أو ربطها بمشبك لوقف النزيف.
مضاعفات تأخير العلاج
يتجاهل العديد من المرضى الأعراض المزعجة التي تصاحب قرحة المعدة وقد تمنحهم بعض علاجات حرقة المعدة المتوفرة في الصيدليات بعض الراحة، مما يؤخر تشخيص الحالة ويزيد من احتمالية تحوّل القرحة البسيطة لأخرى شديدة. إذا تُركت القرحة دون علاج، يمكن أن تتطور لواحدة أو أكثر من الحالات التالية:
- النزيف الداخلي
عادةً ما يكون النزيف المصاحب للقرحة بطيئًا وبكميات صغيرة جدًا على مدى سنوات؛ مما يسبب فقر الدم. في الحالات الشديدة التي تتضرر فيها الأوعية الدموية حول المعدة، قد تؤدي ذلك إلى نزيف بكميات غزير قد يتطلب نقل الدم للمريض أو إجراء جراحة عاجلة لمعالجة القرحة.
- ثقب جدار المعدة
تعرّض نسيج المعدة أو الأثنى عشر المصاب بالقرحة للأحماض بشكل مستمر يؤدي لإذابة جزء من جدار وتسرّب محتوياتها داخل البطن للأنسجة المحيطة، مما يعرّض المريض لخطر الإصابة بالتهابات خطيرة في تجويف البطن قد تؤدي للوفاة لا سمح الله ما لم يتم علاجها بشكل طارئ.
- انسداد المعدة
بعد تعرّض بطانة المعدة للجروح والقروح، يبدأ الجسم بتكوين نسيج سميك للتعافي من الإصابات السابقة. هذا النسيج الليفي قد يمنع الطعام من المرور عبر الجهاز الهضمي ويسبب القيء وفقدان الوزن وألم حاد في البطن، كما يحتاج علاجه للجراحة.
- سرطان المعدة
تظهر العديد من الدراسات أن الأشخاص المصابين بالبكتيريا الحلزونية هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان المعدة
علاج قرحة المعدة
يتركز العلاج على شقين: الأول هو تقليل حموضة المعدة، والثاني يكون بالقضاء على البكتيريا الحلزونية
- تقليل حموضة المعدة:
وهو الخيار الأول لعلاج القرحة الخفيفة والمتوسطة. هناك عدة علاجات لتحقيق هذا الغرض تتفاوت فيما بينها بمدى نجاحها في تقليل نسبة الحموضة والأعراض الجانبية المرتبطة بكل منها. بشكل عام، تعتبر هذه الفئة الدوائية آمنة وننصح المريض بأخذها لمدة تتراوح بين شهر إلى شهرين وأحيانًا أكثر.
تشمل أدوية حموضة المعدة كل من:
● مثبطات مضخة البروتون: مثل (اوميبرازول / بانتوبرازول/لانسوبرازول) وهي الأحدث و الأكثر فعاليّة وبالتالي الاكثر استخدامًا.
● مثبطات مستقبلات الهيستامين: مثل (رانيتيدين/سيميتيدين/فاموتيدين) وهي القديمة و نادرة الإستخدام.
قد تحتاج العلاجات السابقة عدة ساعات حتى يبدأ مفعولها، لذلك قد نوصي بتناول دواء إضافي مضاد للحموضة ذو مفعول سريع وقصير لتقليل حرقة المعدة والأعراض المزعجة مؤقتًا، وتحتوي هذه الأدوية على مادة الألجينات (مثل جافيسكون) التي تكوّن طبقة سميكة واقية على بطانة المعدة، مما يحمي القرحة من التهيّج أو قد تحتوي على مواد تعادل أحماض المعدة.
يتوفر شراب الألجينات في الصيدلية وهو آمن للاستخدام في الحمل ويمتاز بفعاليته السريعة، حيث ننصح بتناوله فور الشعور بحرقة المعدة أو عند تناول الوجبات وقبل موعد النوم.
2. القضاء على البكتيريا الحلزونية:
وذلك من خلال إعطاء مجموعة من المضادات الحيوية التي تستهدف هذه البكتيريا مع دواء مثبط لحموضة المعدة، وتؤخذ لمدة تترواح من أسبوع إلى أسبوعين حسب الحالة. بعد شهر من اكتمال العلاج، نقوم بتكرار فحص البكتيريا الحلزونية للتأكد من أنها لم تعد موجودة، وقد يتطلب الفحص الإيجابي تكرار العلاج بالمضادات الحيوية (مختلفة عن المرة الأولى).
علاج القرحة المزمنة:
عند بعض المرضى المصابين بالبكتيريا الحلزونية المقاومة للعلاج والذين يتحتّم عليهم الاستمرار في تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية والمصابين بالقرحة الكبيرة بالحجم، قد تستمر القرحة حتى بعد 3 أشهر من العلاج المنتظم وهنا ننصح المريض بتناول دواء مضاد لحموضة المعدة لفترة أطول من المعتاد.
العلاج الجراحي
إن نجاح الأدوية المخفضة للحموضة قد قلل بشكل كبير الحاجة للعلاجات الجراحية لعلاج حموضة المعدة او تقرحاتها، ولكن في بعض الحالاات القليلة إذا كان هناك أي موانع من الاستخدام المطوّل للأدوية المضادة لحموضة المعدة أو عند الإصابة بالقرحة النازفة، قد تكون الجراحة هي أحد الخيارات (عليك التشاور معنا لنحدد إذا كانت الجراحة هي الخيار المناسب لك).
في حال القرحة النازفة فان تنظير المعدة لإيقاف النزيف هو الخيار الأول، ولكن عند عدم القدرة على التحكم في النزيف بالتنظير أو في حال حدوث ثقب في القرحة فقد نلجأ للجراحة الطارئة بهدف: تحديد الشريان النازف وإقفاله أو إغلاق الثقب الموجود في المعدة أوالأثنى عشر.
كما تستخدم الجراحة في حال إنسداد المعدة نتيجة التليف الناتج عن الإصابة و إلتئام القرحة المتكرر.
المسار الطبيعي للمرض
عموماً، انخفض عدد الوفيات الحالية من قرحة المعدة بشكل ملحوظ مقارنة بالسابق، ويكون علاج قرحة المعدة ناجحاً للغاية عندما يتم اكتشاف الأسباب المؤدية للقرحة وعلاجها، بينما يمكن السيطرة على أعراض القرحة المزمنة والمتكررة من خلال تجنّب المسببات قدر الإمكان.
طرق الوقاية
تساعد بعض الإجراءات الوقائية على تقليل فرصة الإصابة بالبكتيريا الحلزونية وبالتالي تقليل احتمال التعرّض للقرحة الهضمية، وتشمل كل من:
- غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون
- تناول الطعام والماء من أماكن نظيفة بعيدة عن الملوثات
- طهي الطعام جيدًا
- تناول مسكنات الألم غير الستيرويدية بحذر ويفضّل أخذها بعد تناول الطعام أو دمجها مع دواء مضاد للحموضة
- تجنب مسببات القرحة مثل التدخين وشرب الكحول
– د. ماجد الماضي
استشاري الجهاز الهضمي والكبد والمناظير