أهلًا بكم في عيادتي. سأتناول موضوع العلاج السلوكي المعرفي وجدواه في حالات القولون العصبي. سأبدأ بمقدمة موجزة حول المرض والعلاج، ثم سأذكر الأساليب المتبعة في العلاج، وفوائده وعيوبه، وفرصته في تخفيف القولون العصبي.

يُعد القولون العصبي من أكثر أمراض الجهاز الهضمي تشخيصًا، حيث يصيب ما يصل إلى 20% من الناس حول العالم. كما يحتل مرتبة متقدمة ضمن أكثر أسباب الغياب المرضي من العمل.

القولون العصبي في الأصل هو مرض وظيفي، أيْ إنه لا ينطوي على خلل عضوي في الجهاز الهضمي، وقد يتسبب بأعراضٍ مثل:

  • آلام البطن (المغص).
  • الانتفاخات.
  • الإسهال أو الإمساك أو كلاهما.
    تختلف شدة الأعراض من حالة لأخرى، وقد تبلغ درجةً تنغّص بها حياة المريض، وتجعله عرضةً للإحباط، وتوقعه في حلقةٍ مغلقةٍ من القلق والتوتر اللَّذَين بدورهما يتسببان باستفحال الأعراض. بل في أحيان كثيرة يكون سبب ظهور الأعراض هو مجرد القلق والتوتر، وهكذا دواليك؛ القلق والتوتر يقدحان زناد الأعراض، والأعراض تؤجج شرارة القلق والتوتر.

هذا القلق والتوتر هما نتاج العديد من الأفكار السلبية عن أعراض القولون العصبي والسلوكيات الخاطئة عند التعامل معها. ومن ثم قد تستفيد شريحة كبيرة من مرضى القولون العصبي من كسر هذه الحلقة المغلقة، ومن تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة؛ وتلك هي وظيفة العلاج السلوكي المعرفي.

تعريف العلاج

العلاج السلوكي المعرفي هو نوع من العلاج النفسي الذي يهدف إلى مساعدة الشخص في فَهم ما يدور بخَلَده من أفكارٍ ومشاعرَ وانفعالات، وما لذلك كله من تأثير على سلوكياته وتصرفاته. ويتميز عن غيره من العلاجات النفسية في تركيزه على المشكلة الحاضرة بصرف النظر عن تجاربك الماضية. وله تطبيقات جمّة، منها:

  • مواجهة الأفكار السلبية وتصحيحها.
  • علاج القلق والتوتر والاكتئاب.
  • مشكلات النوم، مثل الأرق.
  • اضطراب ما بعد الصدمة.
  • اضطرابات الأكل.
  • نوبات الهلع.

الأساليب المتبعة

يتم العلاج السلوكي المعرفي بعقد عدة جلسات مع المريض، ما بين 6-12 جلسة، على مدار 3-6 أشهر، وقد تصل مدة الجلسة الواحدة إلى نصف ساعة أو ساعة. ونهدف في هذه الجلسات إلى تسليح المريض بالمعرفة الضرورية والمهارات اللازمة لتصحيح المفاهيم وتخفيف أعراض القولون العصبي. وفيما يلي بعض الأساليب التي نتبعها لتحقيق ذلك:

  • التثقيف النفسي: وهو جزء لا يتجزأ من العلاج السلوكي المعرفي، وفيه نزوّد المريض بالمعرفة السليمة عن القولون العصبي، وندحض الخرافات المنتشرة بشأن المرض. كما نشرح له كيفية تأثر الأعراض بما يدور في عقله، وعلاقة التوتر بالأعراض.
  • استراتيجيات الاسترخاء: وغالبًا ما نستعملها في الجلسات الأُولَى، والهدف منها هو تعليم المريض كيفية تخفيف الأعراض الناتجة عن القلق والتوتر، مثل التعرق، وتسارع نبضات القلب والإحساس بخفقانها. وأكثر الأساليب التي نستخدمها هي التنفس من البطن بتعليمات معيّنة لتهدئة أعراض القلق والتوتر.
  • إعادة البناء المعرفي: وهذا ضروري لا سيما في الحالات التي تكون فيها الأعراض مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالقلق. ولفعل ذلك فإننا نزيد وعي المريض بمدى الارتباط بين الأفكار المغلوطة والتوتر وأعراض القولون العصبي. على سبيل المثال، قد يكون سبب ظهور الأعراض هو مجرد خوف المرء من تقلّب غازات البطن وهو في اجتماع مع الآخرين.
  • مهارات حل المشكلات: وفيها نوجه وعي المريض إلى مشاعره وأفكاره عن المرض والأعراض بدلًا من تركيزه المُنصب كليًا على المرض نفسه.
  • تمارين التعرّض الخارجي: حيث يميل كثير من مرضى القولون العصبي إلى استراتيجيات التجنب والسلوكيات الآمنة. ونعني بذلك تجنبَهم مثلًا للمواقف التي قد لا يتوفر فيها مكان للخلاء مثل السفر، أو عزوفَهم عن الطعام لمنع الأعراض، أو اعتمادَهم المباشر على الأدوية دون ضرورة لذلك. وفي هذا الأسلوب نعرّض مريض القولون العصبي لمثل هذه المواقف بشكل تدريجي وعلى أسس منظمة.
  • تمارين التعرّض الداخلي: وفيها نركز على داخل مريض القولون العصبي لمساعدته في التغلب على خوفه من أعراض المرض. وتتم بتعرّض المريض للسلوكيات التي قد تتسبب بظهور الأعراض، مثل شد عضلات البطن، أو تناول أطعمة معينة. ومع الوقت يقل تجنب المريض لهذه المواقف والسلوكيات، ويزول خوفه من الأعراض.
  • المراقبة الذاتية: وفيها ننصح المريض بمراقبة أعراضه ومعرفة نمطها. فمثلًا، قد نوصي المريض بحساب الوقت الذي يمكنه فيه حبس رغبته في دخول الخلاء من لحظة شعوره بالرغبة، ومن ثم سيقل القلق والخوف عند إحساسه بالرغبة في المناسبات الاجتماعية مثلًا وسيكون أكثر اطمئنانًا.

الفوائد

يُعد العلاج السلوكي المعرفي أحد العلاجات النفسية التي أثبتت جدواها مؤخرًا في حالات القولون العصبي. وهذا راجع بنسبة كبيرة إلى العلاقة الوطيدة بين أعراض القولون العصبي ومشاعر القلق والتوتر والاكتئاب. وتتمثل فوائده في:

  • تخفيف أعراض القولون العصبي: فقد أظهر تحسّنًا واضحًا بنسبة 73% مقارنةً بالعلاج التقليدي الذي يتمحور حول النظام الغذائي والأسلوب الحياتي والعلاج الدوائي.
  • تحسين جودة الحياة: فقد يشعر المريض بحملٍ زائدٍ بسبب أعراض القولون العصبي، وقد يُضطر إلى تجنّب المناسبات والتعامل مع الآخرين على سبيل المثال. وقد شهد هذا الأمر تحسّنًا جليًا مع مرضى القولون العصبي، وتمكنوا من إدارة علاقاتهم مع الآخرين، والحد من الأفكار السلبية.
  • إنجاز المهام اليومية: فكثير من المرضى يشعرون بالقلق حتى قبل بدء مهامهم اليومية بمجرد التفكير فيما قد يحدث لو طرأت أعراض القولون العصبي. وفي هذا الصدد أظهر العلاج السلوكي المعرفي تأثيرًا إيجابيًا على قدرة المرضى على حسن إدارة مهامهم اليومية سواء حدثت الأعراض أو لا.
  • استجابة ملموسة حين تعجز العلاجات الأخرى: فقد تبيّن نفعه في كثير من الحالات التي لم تستجب للعلاجات التقليدية، ومن ضمنها العلاج الدوائي. ومع ذلك، فإننا نوصي بالحرص على تحسين النظام الغذائي والأسلوب الحياتي بدلًا من الاقتصار على العلاج السلوكي المعرفي وحده.
    نتائج مثمرة على المدى البعيد: حيث يتعلم المريض العديد من المهارات النافعة والاستراتيجيات العملية التي يمكنه تطبيقها في حياته اليومية حتى بعد انتهاء مدة العلاج.
العيوب

على الرغم من الثمار النافعة لاستخدام العلاج السلوكي المعرفي في حالات القولون العصبي، فمثله مثل غيره من العلاجات له عدة عيوب، منها:

  • يحتاج إلى التزام تام من المريض ليحصل على الاستفادة المرجوة.
  • حضور الجلسات بانتظام وتنفيذ التعليمات المطلوبة بين الجلسات.
  • يتطلب من الشخص مواجهة مشاعره وأسباب قلقه، ومن ثم قد يشعر في الجلسات الأولى بالقلق والضيق.
  • التركيز على تمكين الشخص من تغيير أفكاره ومشاعره وسلوكياته، ولا يعالج المشكلات الخارجية، كتلك المتعلقة بالعائلة والعلاقات الاجتماعية، والتي قد تؤثر تأثيرًا كبيرًا على صحة الفرد وسعادته.
  • الشفاء التام

من بين كل العلاجات المتاحة، ليس هناك علاج يشفي من القولون العصبي شفاءً تامًا، وهذا يشمل العلاج السلوكي المعرفي أيضًا. وهذا يرجع إلى كون القولون العصبي مرضًا يرتبط بالعديد من العوامل المعقدة والأسباب المتعددة.

بعبارة أخرى، العلاج السلوكي المعرفي لا يشفي من القولون العصبي، وإنما هو وسيلة لتحسين أعراض المريض، وتخفيف آثارها السلبية على حياته، ولمساعدته في مواجهة هذه الأعراض وكسر الحلقة المغلقة التي تربطها بالقلق والتوتر.

– د. ماجد الماضي

استشاري الجهاز الهضمي والكبد والمناظير